فصل: الشبهة السابعة وجوابها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم



.الشبهة السادسة وجوابها:

قالوا: إن ابن عباس كان يقرأ: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا لّلمتّقين} [الأنبياء: 48] بدون الواو قبل ضِياءً ويقول: خذوا هذه الواو واجعلوها في {الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} وروي عنه أنه قال: انزعوا هذه الواو واجعلوها في {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} ونجيب على هذه الشبهة بما يأتي.
1- إن ما روي عن ابن عباس ضعيف فلا يؤخذ به، ثم هو مخالف للقطعي الثابت بالتواتر، فهو مردود لا محالة.
2- إن ذكر الواو في الآية هو الذي تقضي به البلاغة الفائقة، لا حذفها، سواء أفسر الفرقان بالتوراة أم فسر بالنصر، وقد روي هذا الثاني عن ابن عباس وغيره، ويشهد له قوله تعالى: {وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ} فالمراد به يوم بدر؛ وبيان ذلك أما على الأول فيكون المراد بالفرقان والضياء والذكر التوراة، وهي فرقان؛ لأنها تفرق بين الحق والباطل، وضياء لأنها تنير الطريق للسالكين، وهي ذكر لما فيها من التذكير والمواعظ، ومثل هذا الأسلوب يجوز أن يأتي بدون الواو على أنه حال، ويجوز أن يأتي بالواو وكلّ بليغ، ولكن الإتيان بها أبلغ تنزيلا لتغاير الصفة- والحال صفة في المعنى- منزلة تغاير الذوات، ولذلك سر بلاغي؛ وهو الإشارة إلى بلوغها درجة عالية في كونها ضياء، حتى أضحت كأنها جنسا مستقلا برأسه عن سابقه، وهذا السر لا يتم على حذف الواو، ومثل هذا من كلام العرب:
إلى المسلك القرم وابن الهمام ** وليث الكتيبة في المزدحم

وأما على الثاني وهو تفسير الفرقان بالنصر فتكون الواو لازمة البتة لتغاير المعطوف والمعطوف عليه، ويكون المراد بالضياء التوراة أو الشريعة.

.الشبهة السابعة وجوابها:

قالوا: روي عن ابن عباس في قوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ} [النور: 35] أنه قال: هي خطأ من الكاتب، هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة، إنما هي {مثل نور المؤمن كمشكاة}.
والجواب:
وللجواب على ذلك نقول:
1- إن هذه الرواية معارضة للقطعي الثابت بالتواتر، فهي مردودة وباطلة ولا يثبت بها قرآن قط.
2- إن هذه الرواية ضعيفة، وأغلب الظن أنها مختلقة عليه، وليس أدل على هذا من أنه قرأ بهذه القراءة المتواترة المعروفة، ولم ينقل عنه أنه قرأ: {مثل نور المؤمن}، وأن المأثور عنه في تفسيرها لا يتفق هو وما نقل عنه؛ فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قال: مثل نوره: مثل هداه في قلب المؤمن.
وهذا التفسير لا يتأتى إلا إذا عاد الضمير في نُورِهِ على لفظ الجلالة، وهو أرجح الروايتين عنه في مرجع الضمير، ولو سلمنا ما رواه الحاكم عنه من أن مرجع الضمير هو المؤمن فلا يلزم منه رد القراءة المتواترة؛ بل هو تفسير لمرجع الضمير فيها، وأيّا كان المروي عنه فلا يشهد لهذا الدس والاختلاق ويضعف هذه الرواية التي رواها الحاكم عنه أن رجوع الضمير إلى مذكور في الكلام إذا لم يكن في الكلام ما يدل عليه، أو كان ولكن دلالته عليه خفية خلاف الظاهر جدّا، ولاسيما إذا فات المقصود من الكلام على ذلك وإنما تتم الروعة في التمثيل في الآية لو رجع الضمير إلى المذكور، وهو لفظ الجلالة، على أن يكون المراد بالنور الحق الذي قامت عليه السموات والأرض، وصلح به أمر الناس، أو الهدى الذي غرسه الله في قلب المؤمن، وأما على الوجه الآخر ففيه تفكيك للقرآن وتفويت لروعة التمثيل.
ولو أن هذا الدس نقل عن أبي بن كعب لكان الأمر أهون إذ هو الذي نقل عنه أنه قرأ: {مثل نور المؤمن} وفي رواية: {مثل نور المؤمنين} وفي رواية: {مثل نور من آمن} وهي قراءات شاذة لا يعتد بها ولا يقرأ بها لمخالفتها لرسم المصحف، وعدم تواترها، ولكن شاء الله أن تتم الحبكة في نسج هذه الرواية المكذوبة على ابن عباس، وهكذا الباطل يكون في طيه ما يلقي أضواء على بطلانه.

.الشبهة الثامنة وجوابها:

قالوا: روي عن ابن عباس أنه قال: لا تقولوا: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} [البقرة: 137] فإن الله تعالى ليس له مثل، ولكن قولوا {بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ} وأنه كان يقرأ: {فإن آمنوا بما آمنتم به} قالوا: فهذا ينفي القراءة المشهورة التي كتب بها المصحف، ويدل على أن المصحف قد حصل فيه تغيير.
والجواب:
1- هذه الرواية آحادية مخالفة للقطعي الثابت بالتواتر؛ والذي أجمع عليه المسلمون من لدن الصحابة إلى وقتنا هذا، ومخالف القطعي مردود، ثم هي لا يثبت بها قرآن قط.
2- على فرض ثبوت هذه الرواية، فتحمل على التفسير، وبيان المعنى للقراءة المتواترة، قال ابن عطية الإمام المفسر: هذا من ابن عباس على جهة التفسير، أي: هكذا فليتأول.
3- إن القراءة المتواترة التي عليها عامة القراء لها وجوه صحيحة ومحامل تحمل عليها، فمنها:
أ- إن {مَثَلُ} زائدة للتأكيد، والمعنى فإن آمنوا بما آمنتم به، وذلك كما قيل في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.
ب- إن معنى آمنوا صدقوا والباء زائدة للتوكيد كما زيدت في قوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} والمعنى: فإن صدقوا تصديقا مثل تصديقكم فقد اهتدوا، وزيادة بعض الحروف والكلمات للتوكيد مستفيض في لغة العرب.

.الشبهة التاسعة وجوابها:

قالوا: روى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها سئلت عن قوله تعالى: {إِنْ هذانِ لَساحِرانِ} [طه: 63]، وعن قوله تعالى: {إِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى} الآية [المائدة: 69]، وعن قوله تعالى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ} [النساء: 162]؛ فقالت: يا ابن أختي هذا خطأ من الكاتب.
والجواب:
1- إن هذه الرواية غير صحيحة عن عائشة، وعلى فرض صحتها فهي رواية آحادية لا يثبت بها قرآن وهي معارضة للقطعي الثابت بالتواتر فهي باطلة ومردودة ولا التفات إلى تصحيح من صحح هذه الرواية وأمثالها فإن من قواعد المحدثين أن مما يدرك به وضع الخبر ما يؤخذ من حال المروي؛ كأن يكون مناقضا لنص القرآن، أو السنة، أو الإجماع القطعي، أو صريح العقل، حيث لا يقبل شيء من ذلك التأويل؛ أو لم يحتمل سقوط شيء منه يزول به المحذور، وهذه الروايات مخالفة للمتواتر القطعي الذي تلقته الأمة بالقبول فهي باطلة لا محالة.
2- وأما آية: {إِنْ هذانِ لَساحِرانِ} فالذي نص عليه أئمة الرسم والقراءة أن هذن لم تكتب في المصحف العثماني بالألف ولا بالياء، وذلك ليحتمل وجوه القراءات المتواترة كلها، وهذا من أسرار الرسم العثماني، فنسبة الخطأ إلى الكاتب غير معقول، وإنما المعقول أن تخطئ السيدة عائشة رضي الله عنها من يقرأ إِنْ بتشديد النون، وهذان بالألف، وأما من يقرأ بتشديد النون في إِنْ والياء في هذين أو بتخفيف النون في إِنْ والألف في هذانِ فلا وجه في تخطئته، وهذا مما يلقي ضوءا على اختلاف هذه الروايات على عائشة وغيرها، وأنها من وضع الملاحدة، كي يشككوا المسلمين في كتابهم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد قرئ هذا الجزء من الآية القرآنية بقراءات سبعة متواترة، وهاك بيانها:
أ- قرأ أبو عمرو: إنّ هذين لسحران بتشديد النون في إِنْ والياء في هذين وهذه القراءة الثابتة قد سلمت من مخالفة المصحف، وجارية في الإعراب على المهيع المعروف الظاهر، فلا إشكال فيها أصلا.
ب- وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص عنه إِنْ هذانِ بتخفيف النون في إِنْ والألف في هذانِ غير أن ابن كثير يشدد نون هذانِ وهذه القراءة أيضا سلمت من مخالفة الرسم العثماني، ومن مخالفة العربية وتخرّج على أن إِنْ هي المخففة، وهي مهملة وهذانِ مبتدأ و{لَساحِرانِ} خبره، واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة ويجوز أن يكون اسمها ضمير الشأن، والجملة بعدها من المبتدأ والخبر خبرها وقيل إن إِنْ نافية، واللام بمعنى إلا، والتقدير ما هذان إلا ساحران، ويشهد له قراءة أبي إن ذان إلا ساحران وهي قراءة تفسير وتوضيح.
ج- وقرأ الباقون {إِنْ هذانِ لَساحِرانِ} بتشديد نون إن وبالألف في هذان، وهي موافقة للرسم، ولكنها مشكلة في الإعراب، وهذه القراءة هي التي زعم الزاعمون أنها خطأ ونسبوا ذلك زورا إلى السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، وهذه القراءة لها وجوه صحيحة في العربية، وقد أفاض في بيانها العلماء، وأحسن هذه الوجوه وأجودها أنها جارية على لغة بعض العرب في إلزام المثنى الألف في جميع حالته، وهي لغة لكنانة، ولبني الحارث بن كعب، والخثعم، وزبيد، ومراد وغيرهم، ولذلك شواهد كثيرة من مثل قول الشاعر العربي:
واها لسلمى ثم واها واها ** يا ليت عيناها لنا وفاها

وموضع الخلخال من رجلاها ** بثمن نرضي به أباها

إن أباها وأبا أباها ** قد بلغا في المجد غايتاها

وقد اعتبر العلامة ابن هشام النحوي هذه القراءة أقيس إذ الأصل في المبني أن لا تختلف صيغته، مع أن فيها مناسبة لألف {لَساحِرانِ}.
3- وأما عن آية {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} فلا يصح ذلك عنها، قال الإمام أبو حيان في البحر المحيط ما نصه: وذكر عن عائشة رضي الله عنها، وعن أبان بن عثمان أن كتبها بالياء من خطأ الكاتب، ولا يصح ذلك عنها، لأنهما عربيان فصيحان، وقطع النعوت أشهر في لسان العرب، وهو باب واسع ذكر عليه شواهد سيبويه وغيره، وعلى القطع خرج سيبويه ذلك، ولعلك على ذكر مما ذكرته آنفا عن الزمخشري في كشافه، في الرد على من طعن في هذه القراءة المتواترة.
4- وأما قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} فله وجوه ومحامل صحيحة في العربية. وأحسن هذه الوجوه أن يكون {وَالصَّابِئُونَ} مقدم من تأخير، وخبر إن قوله: {مَنْ آمَنَ} إلى إلخ، ويكون خبر {وَالصَّابِئُونَ} محذوف لدلالة خبر إن عليه، والتقدير: والصابئون والنصارى كذلك، ولعل السر في التقديم، وذكرهم بين طوائف أهل الأديان الدلالة على أن الصابئين مع ظهور ضلالهم وزيغهم عن الأديان كلها تقبل توبتهم إن صح منهم الإيمان والعمل الصالح، فغيرهم من أهل الأديان أحرى وأولى ومثل هذا الاستعمال العربي قول الشاعر:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ** فإني- وقيار بها- لغريب

أو يكون قوله: {وَالصَّابِئُونَ} وما عطف عليه استئناف آخر، والخبر من آمن إلخ، وقد أغنى هذا الخبر عن خبر إن، ومثل هذا الاستعمال قول الشاعر العربي:
نحن بما عندنا وأنت بما ** عندك راض والرأي مختلف

فقد حذف الخبر من الأول لدلالة الثاني عليه، أي نحن بما عندنا راضون.